قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:103].
لا ينكر أحد أن حاجة كل إنسان إلى الصاحب والحبيب من الحاجات الأساسية والضرورات النفسية التي لا يمكن أن يتغاضى عنها حتى يتمكن من السير فى طريق الحياة، ويواصل تقدمه فى مراحل العمر المختلفة.
وفي واقعنا الآن وما أصبح يحيط بنا من ضغوط ترتد بنا إلى جاهلية عمياء فى تعاملاتنا أصبحنا نفتقد في هذا الواقع إلى التآلف بين أفراد المجتمع الواحد، وكادت بذور العداوة والبغضاء أن تلتهم نيرانها القلوب وتدمر العواطف الحميدة التي يجب أن تسود بيننا لنحيا بنور من الله في طريق إبتغاء مرضاته.
ولقد وردت الآيات القرءانية التي تنبهنا إلى أن البعد عن أوامر الله ونسيانها ونقض المواثيق والتقصير في حمل الأمانة هي مسببات وقوع العداوة والبغضاء بين أبناء الملة الواحدة كما حدث بين بنى إسرائيل، وقد أوردها الله سبحانه لتكون لنا عبرة وعظة.
لذلك فالتمسك بالشريعة والتقرب إلى الله تعالى سبب لإلقاء الحب فى قلوب الناس، ويثمر حب الله للعبد حب الناس له أيضا، كان هرم بن حيان رحمه الله يقول: ما أقبل أحد بقلبه على الله تعالى إلا أقبل الله تعالى بقلوب أهل الإيمان إليه، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم.
وتتجلى أهمية نعمة التآلف بين القلوب والتي هي من تفضل الله على عباده المؤمنين، وتسبق أهميتها الغذاء والرزق، في نداء إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم حيث نادى ربه: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم...} [إبراهيم:37]، وهي النعمة التي لا تعدلها ثروات الأرض جميعًا، قال تعالى:{وأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:63].
¤ معنى التآلف:
فمقصد الشريعة الإسلامية هو غرس الألفة والمودة بين أفراد الأسرة والمجتمع والدول، ففلان يألف فلانًا: أى يتبعه ويطمأن إليه ويستقر معه، فالألفة إجتماع مع التآم ومحبة، قال صلى الله عليه وسلم: «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» رواه البخاري.
والألفة تعنى السعادة، والمؤمن يألف ويؤلف، والمجتمع الذي تسوده الألفة مجتمع متين لا يُخترق، قال صلى الله عليه وسلم: «إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون» رواه الطبرانى عن أبى سعيد الخدري، وحسنه الألباني.
¤ كيف تتحقق الألفة؟
وكلما كانت القواسم المشتركة أكبر كلما زادت الألفة، وأقرب علاقة بين إنسانين هي الزواج، فالألفة يجب أن تكون واضحة جدًا لأنها علاقة مبنية على أن تكون طويلة الأمد، والأسرة الإسلامية تُبنى على الأواصر والمعايير الإيمانية، قال تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:24]، وهذا أمر شرعى تكليفى.
والتوفيق والنجاح أن يستمر الزواج وينتج أسرة سعيدة وأبناء صالحين، والزوج المؤمن والزوجة المؤمنة تجمعهما معرفة الله ومعرفة منهجه والتخلق بالفضائل التي أمر الله بها من ورع وعفة وأدب ورحمة وصدق والوقوف عند كتاب الله تعالى، وإذا كانت هذه الأمور متوافقة ففى الأعم الأغلب يكون هناك تآلف.
وحتى يمن الله علينا بنعمة التآلف والإخاء، وتكون لنا سمة فى الدنيا والآخرة علينا أن نعود إلى ديننا الحنيف ونتتبع آثار سلفنا الصالح، ونمضى على دربهم فيصلح حال الأباء والأبناء والأفراد والجماعات والرؤساء والمرؤسين والحكام والمحكومين، وتزدهر أمة الإسلام ويعم الخير والسلام.
الكاتب: تهاني الشروني.
المصدر: موقع رسالة المرأة.